في تطور جديد يكشف عن حجم الفساد المستشري في النظام السوري، أظهرت وثيقة سرية تورط المخابرات الجوية السورية في تهريب ملايين الدولارات عبر الخطوط الجوية السورية إلى موسكو. الوثيقة، التي حصل عليها المرصد السوري لحقوق الإنسان من مصادر مقربة من الخطوط الجوية السورية وأمن مطار دمشق، سلطت الضوء على عملية تهريب أموال ممنهجة تمت على مدى سنوات تحت إشراف مباشر من محمد مخلوف، خال بشار الأسد.
تفاصيل عملية التهريب
وفقًا للوثيقة المسربة، بدأت عمليات التهريب نهاية عام 2020 واستمرت حتى منتصف 2024. كانت الطائرات السورية تسير رحلة أسبوعية إلى مطار فنوكوفا في موسكو، حاملةً حقائب مليئة بالأموال بقيمة تصل إلى 20 مليون دولار أميركي في كل رحلة.
تم تنفيذ هذه العمليات تحت إجراءات أمنية مشددة وإشراف مباشر من المخابرات الجوية، حيث كانت الأموال تُنقل من مصرف سوريا المركزي إلى المطار عبر شاحنة خاصة. الحقائب، المليئة بالدولار واليورو (فئة 500 يورو تحديدًا)، كانت تُحمل بشكل منفصل عن أمتعة الركاب، مع تحذير صارم لجميع العاملين والركاب بعدم الاستفسار عن محتواها.
مصير الأموال المهربة
بعد وصول الأموال إلى موسكو، كانت تُنقل مباشرة إلى سفارة النظام السوري، ومن هناك توزع على رجال الأعمال التابعين للنظام. تشير التقارير إلى أن هذه الأموال استُخدمت في تأسيس شركات في روسيا وبيلاروسيا، وشراء عقارات ومحلات تجارية، بالإضافة إلى استثمارات في البنوك الروسية.
محمد مخلوف، خال بشار الأسد، لعب دورًا رئيسيًا في هذه العمليات. أقام في طابق كامل من فندق "أوكرانيا" الفخم بموسكو، حيث أشرف على توزيع الأموال واستثمارها. بالإضافة إلى ذلك، اشترى ولديه، حافظ وإيهاب، أكثر من 20 شقة في أبراج "موسكو سيتي"، التي تعد من أغلى وأفخم العقارات في العاصمة الروسية.
ثروة بشار الأسد في روسيا
لم تقتصر استثمارات النظام السوري في موسكو على الأموال المهربة فقط. تشير تقارير إلى أن بشار الأسد يمتلك ثروة هائلة في روسيا، تشمل عقارات فاخرة وأرصدة بنكية كبيرة. هذه الثروة، التي تُقدر بمليارات الدولارات، تم تهريبها على مدار سنوات، خصوصًا منذ اندلاع الثورة السورية في 2011.
محطات هروب الأسد إلى موسكو كانت دائمًا غامضة، ولكنها كانت مدفوعة بحجم المصالح المشتركة بين نظامه والحكومة الروسية. موسكو، التي دعمت الأسد عسكريًا وسياسيًا، استفادت من هذه الأموال لتعزيز نفوذها الاقتصادي داخل سوريا وخارجها.
محمد مخلوف.. العقل المدبر
محمد مخلوف، شقيق أنيسة مخلوف (والدة بشار الأسد)، يعد أحد أبرز رموز الفساد في النظام السوري. شغل منصب المسؤول الأول عن الاقتصاد السوري خلال حكم حافظ الأسد، واستمر في إدارة أموال العائلة بعد وفاة الأخير.
عُرف مخلوف بعلاقاته الوثيقة مع رجال الأعمال الروس، حيث تمكن من تأسيس شبكة اقتصادية قوية في روسيا، ساعدته في تهريب الأموال واستثمارها.
ردود الأفعال الدولية
كشفت الوثيقة عن معلومات دفعت بعض الحكومات الغربية إلى فرض عقوبات إضافية على شخصيات موالية للنظام السوري. رجال أعمال مثل مدلل خوري وآخرين تم إدراجهم على قوائم العقوبات، بسبب تورطهم في إدارة هذه الأموال واستثمارها نيابة عن النظام.
الفضيحة والرسائل السياسية
هذه الفضيحة تعكس حجم الفساد العميق داخل النظام السوري، لكنها تحمل أيضًا أبعادًا سياسية كبيرة. الأموال المهربة تمثل جزءًا من ثروات الشعب السوري المنهوبة، في وقت يعاني فيه المواطنون من أزمات اقتصادية خانقة بسبب الحرب والعقوبات.
كما تسلط الضوء على العلاقات المتشابكة بين نظام الأسد وروسيا، حيث يبدو أن موسكو لم تكن فقط حليفًا عسكريًا للأسد، بل شريكًا اقتصاديًا في استغلال موارد سوريا.
فضيحة تهريب الأموال عبر الخطوط الجوية السورية ليست سوى جزء من الصورة الأكبر للفساد المستشري في نظام الأسد. محمد مخلوف، كواحد من أبرز رجال النظام، لعب دورًا محوريًا في هذه العمليات، ما يطرح تساؤلات حول مدى تورط بقية أفراد العائلة الحاكمة.
بينما تستمر التسريبات في كشف المزيد من التفاصيل، تبقى الحقيقة الثابتة هي أن الشعب السوري هو الخاسر الأكبر، حيث تُنهب ثرواته لتستثمر في رفاهية النظام وحلفائه خارج الحدود.